يذهب الأمريكيون اليوم 5 نوفمبر / تشرين الثاني 2024 للإدلاء بأصواتهم الإنتخابية .ليختاروا الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية للأربع سنوات القادمة .
ويحظى بأغلب نوايا التصويت ,منافسين تقليديين متوقعين وهم دونالد ترامب 78 عاما عن الحزب الجمهوري
, والذي ترشح ثلاث مرات للإنتخابات الرئاسية , فاز مرة واحدة بولاية واحدة ما بين سنة 2017- 2021 . وكاميلا هاريس 59
عاما عن الحزب الديمقراطي ,
وهي أول إمرأة سوداء من أصول أسيوية تترشح للإنتخابات الرئاسية الأمريكية عن حزبها بعد أن تخلى الرئيس الحالي بايدن عن سباق الرئاسة.
ليعينها الحزب خلفا لبايدن لإستلام شعلة المنافسة الأزلية الشرسة بين الديمقراطيين والجمهوريين, وكاميلا هاريس هي أيضا سياسية ومحامية ونائبة الرئيس الحالي بايدن .
من جانب أخر نجد ثلاث مترشحين لا يحظون بإهتمام في الإعلام الأمريكي والعالمي وحتى إستطلاعات الرأي الوطنية تتجاهلهم وهم : جيل ستاين عن حزب الخضر والتي تحظى بتأييد من ترامب وقال عنها أنها تأخذ من أصوات الجمهوريين و تشيس أوليفر عن حزب التحرريين وكورنيل ويست مستقل .
ويعد القانون الإنتخابي الأمريكي معقد بعض الشيء حيث يخضع لمرحلتين التصويت الشعبي وتصويت المجمع الإنتخابي الذي يشترط حد أدنى 270 صوت من أفراد المجمع الإنتخابي الذي يضم 538 فردا حاليا.
ويمتلك المجمع الإنتخابي سلطة إنتخابية هامة ,إذ نأخذ مثالا أن إنتخابات 2017 حصدت المرشحة هيلاري كلينتون أغلبية التصويت الشعبي في حين حظي دونالد ترامب بأصوات المجمع الإنتخابي ليكون بذلك الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية.
و تشير أخر استطلاعات الرأي الوطنية إلى تعادل ترامب وكاميلا بنسبة 48.3 بالمائة لكل منهما , أما الخيار الثالث كجيل ستاين وتشيس أولفر وكورنيل ويست فيمكن إعتبارهم جبهة اليسار الأمريكي .
و يمكن أن يحدث تغييرا على المدى الطويل إذا توحد في شكل جبهة , كما حدث في التجربة الفرنسية في الإنتخابات الأخيرة التي فاز فيها اليسار ,و شكل زلزالا في المشهد السياسي الفرنسي .
لكن الأمر ليس بهذه السهولة في أمريكا الليبرالية وقائدة النظام الرأسمالي العالمي فالتجربة اليسارية والإشتراكية ليس لها جذور عميقة , نظرا لطبيعة المجتمع الأمريكي الإستهلاكي الليبرالي وغير المثقف سياسيا المنغلق على نفسه وعلى أسطورة الحلم الأمريكي الذي يجلب إليه الأخر ولا يتأثر بثقافته أو فكاره .
لكن الأمر يحتاج إلى عمل توعوي كبير وطويل المدى على الأقليات من عرب وعرب مسلمين ومسلمين وأقليات إفريقية وأقليات أخرى مختلفة .
يتوحدون على قيم ومبادئ تختلف على ما يقدمه الإستقطاب الثنائي الجمهوري الديمقراطي والدولة العميقة الأمريكية ,
التي تغلب المصالح الخارجية الإستعمارية على مشاغل المواطن الأمريكي البسيط , أو لعل هذا ما يظهر في قراءة أولية سطحية وبسيطة
ولكن الحقيقة ربما تكون أن أمريكا تجني وتجمع خيرات العالم من خلال الحروب وعلاقاتها الإقتصادية المتشعبة والمعقدة من أجل جمع الأموال للدولة العميقة من رؤوس أموال وشركات خارقة للقارات لتقوية الإقتصاد الأمريكي والسيطرة على العالم .
هذه المبادئ التي يجب أن يلتف حولها الأقليات وحول الخيار الثالث لعل أهمها الإنحياز إلى دول العالم الثالث وإعلاء قيم العدل والمساواة والحرية والعدالة الإجتماعية و العدالة في التغطية الصحية الشاملة ومعالجة قانون الضرائب .بالإضافة إلى الإنحياز للدفاع عن عدالة القضية الفلسطينية خاصة بعد انتفاضة الطلبة في الجامعات الأمريكية نصرة لغزة ووقف المجزرة التي يرتكبها الصهاينة يوميا منذ أكثر من سنة .
كل هذا لا يتحقق إلا بدعم إقتصادي يخلق منافذ للتأثير في الرأي العام في ظل سيطرة اللوبي الإقتصادي الصهيوني في أمريكا وخاصة سيطرته على مجال حيوي كالإعلام والسينما .
أما بالنسبة للمتنافسين التقليديين دونالد ترامب و كاميلا هاريس فيمكن إعتبارهما وجهيين لعملة واحدة خاصة فيما يتعلق بعلاقتهم بقضايا الحرب والسلام والأوضاع في الشرق الأوسط ,
فكلاهما يغازل العرب والمسلمين ويعد بالسلام بالتنظير لحل الدولتين, لكن يؤكد في الوقت نفسه على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها أي أنهم ملتزمون ضمنيا بتزويد إسرائيل بالسلاح إن فاز الديمقراطيين أو الجمهوريون .
في المقابل مازالوا يعتبرون حركات المقاومة في كل من فلسطين ولبنان منظمات إرهابية .
هذا التناقض والتشابك والنفاق في المواقف جعل إيران تبرز أكثر كقوة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط خاصة رغم تمسكها بدعم وإسناد المقاومة رغم الضربات التي تلقتها في الداخل الإيراني .
خاصة بعد قوة الردع التي إنتهجتها في الرد على الهجومات الإسرائيلية و تمسكها بحق الرد ومازالت متمسكة به للمرة الثانية حيث يتوقع أن ترد بهجمة ثانية على إسرائيل في ظل تأكيدات رسمية لذلك .لكنها في سياق متصل تؤكد جنوحها للسلام ومستعدة للتفاوض لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان.
هذا التغير في السياسة الاتصالية لإيران جعل أمريكا وإسرائيل تحسب حسابا لإيران وجعلها رقما صعبا في العلاقات الجيوسياسية العالمية
وحصدت تعاطفا من العرب والمسلمين بعد ان أن كانوا يتوجسون خوفا من الخطر التوسعي الإيراني في بلاد العرب بالتوازي مع دعاية إعلامية عربية خدمت هذه الأجندة .
هذه القوة والصلابة الإيرانية في المنطقة مربوطة بأن لا تتواطئ الدول العربية المطبعة مع إسرائيل وتكون قواعد عسكرية لقصف إيران من قبل الولايات المتحدة الأمريكية .
وتحافظ على علاقات ديبلوماسية محايدة مع إيران حتى لو كانت تحتفظ بالولاء لإسرائيل وأمريكا .
وتتموضع كدول وساطة في عملية التفاوض بين أمريكا وإيران وأن لا تخون أشقائها في الإسلام .ولا أظنها تتجرأ على ذلك حتى لا تستفز شعوبها وتألبها ضدها وهي الغير راضية في أغلبها عن سياساتها مع إسرائيل .
من جهة أخرى تدعم إسرائيل المرشح الجمهوري دونالد ترامب وفق تصريحات إعلامية مختلفة حيث يرون أفكار ترامب المحافظة تتماشى مع المجتمع الإسرائيلي المحافظ ,
هذا إلى جانب دعم ترامب للسياسة الإستيطانية الإسرائيلية في فلسطين فور توليه الحكم سنة 2017 ,
حيث دعم توسعا إستيطانيا إسرائيلي في الضفة الغريبة شهورا قليلة بعد توليه الحكم ,
كما عين أمريكيا داعم شهير لبناء المستوطنات في إسرائيل ليكون سفيرا لأمريكا في إسرائيل . بالإضافة إلى مشاركة وفد إسرائيلي في حفل تولي ترامب السلطة سنة 2017.
في ذات السياق يعتمد دولاند ترامب أسلوب الشعبوية لإستقطاب المصوتين حيث يقدم نفسه كنموذج لرجل الكايبوي الأمريكي القوي الذي يدافع على بلاده والقيم الأمركية المتمثلة في الحلم الأمريكي للإنسان العالمي الناجح.
بالإضافة إلى صفة رجل الأعمال المخضرم الذي سيقدم حلولا إقتصادية وإجتماعية ناجعة خاصة في ملف الضرائب والهجرة والتغطية الصحية .
ويحظى ترامب بتأييد بعض وجوه النخبة والمؤثرين في أمريكا لعل أبرزهم الملياردير الشهير إلون ماسك الذي يقود حملة شرسة لمساندة دونالد ترامب على موقعه , إكس, حيث أعلن مساندته الكاملة له وتقاطعه خاصة فيما يتعلق بأفكار ترامب المحافظة ,خاصة فيما يتعلق بمحاربة ظاهرة المثلية وإعتبارها خطرا على المجتمع الأمريكي ,
بعد أن أعلن إلون ماسك أن إبنه الأكبر تحول جنسيا من رجل إلى إمرأة دون علمه وأنه غير راض على ذلك ويتهم أفكار تيار المثلية الغريبة التي دمغجت إبنه وغسلت دماغه وفق تصريحاته . كما يدعم ترامب أيضا بعض العمال ورجال الأعمال ..
أما بالنسبة لكاميلا هاريس فتقدم نفسها كحقوقية وراعية كونية لمبادئ حقوق الإنسان وتتبنى حق النساء في أمريكا في الإجهاض حيث تحظى بتأييد العديد من النساء في هذا الموضوع .
أما ترامب فيرى أن الإجهاض هو جريمة قتل . وتحظى كاميلا هاريس بدعم الإتحاد الدولي لموظفي الخدمة والإتحاد الأمريكي للمعلمين وأهل الفن والسينما وشو بيز في هوليود لعل أبرزهم الفنانة الإستعراضية بيونسيه
لقد فتحت إسرائيل وأمريكا جبهة قتال على غزة ولبنان لتتفرع بعد ذلك إلى الهجوم على اليمن والعراق ,إنتقاما من المقاومة,لكنها لن تتوسع أكثر.
فإلى جانب جدار الردع الإيراني فإن باقي الدول العربية خاصة مصر والاردن لن تسكت إذ تم إستفزازهم بطريقة جدية غاياتها توسعية ومشروع إسرائيل الكبرى كما يقال . والدليل أن إسرائيل لم ترد على هجومات بعض الجنود و الأشخاص الأردنيين
وكان ماهر الجازي ، وهو عسكري أردني متقاعد، قتل 3 إسرائيليين في إطلاق نار على أمن المعابر الإسرائيلي لدى مروره بشاحنته على معبر النبي، قبل أن يستشهد برصاص إسرائيلي في الثامن من سبتمبر/أيلول الماضي.
وفي تاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول ، تسلل عامر قواس ورفيقه حسام أبو غزالة إلى الحدود الأردنية، واشتبكا مع القوات الإسرائيلية قرب منطقة البحر الميت، قبل أن يستشهدا برصاص الجيش الإسرائيلي.
وإكتفت إسرائيل بإعلان الجيش الإسرائيلي إنشاء فرقة عسكرية جديدة على طول الحدود مع الأردن
يتطلع العالم عشية الإنتخابات الرئاسية الأمريكية أن تتغير سياسات الولايات المتحدة تجاه العالم والبلدان المستضعفة والتي تخوض حروبا خاصة ومنها القضية الفلسطينية.
لكن التاريخ أثبت أن سياسات أمريكا لا تتغير بتغير أنظمة الحكم , فلقد إختارت أن تذهب إلى مفهوم عولمة الحروب كما سبق أن خلقت مفهوم العولمة كمنوال إقتصادي وإجتماعي لذلك فإن خيار المقاومة خيار بات حيويا وضروريا لكل شعوب العالم .
لذلك فإن يسار أمريكي عادل يكون صديق الأمم يناصر القضايا العادلة يبقى هو شعاع الأمل على المدى البعيد جدا.... عندما يبلغ الشعب الأمريكي درجة من الوعي التي تمكنه من الإنفتاح والفهم والتسامح مع الأخر المختلف .
تعليق